جان رومي
الصديق، الإنسان والفنان ... معجزة الوفاء!
قبل سنوات كتبتُ موضوعاً بعنوان رحيل الأصدقاء أستذكر فيه صديقين عزيزين
رحلا عن عالمنا هذا بحلاوته ومرارته، بجماله وقبحه، بنعومته وقساوته، منتقلين من
عالمنا هذا بكل حسناته وسيئاته إلى عالم النور حيث لا وجع، لصديقيّ العزيزين،
الكاتب المحترف والفنان الفوتوغرافي العملاق علاء الدين محسن جودي التميمي (1956 -
2003م) والفنان التشكيلي المتميز ومصمم الأزياء التراثية زياد مجيد حيدر (1954 -
2006م) كتبت إستذكاراً على الرابط أدناه:
الحق، أن الصداقة من وجهة نظري الشخصية أساسها (الوفاء والمحبة) الصادقة
والمواقف الرجولية الحقيقية ولاسيما في ساعة الشدة. منذ ثمانينات القرن المنصرم
عرفت الكثيرين من خلال عملي في الوسط الثقافي والهندسي، ناهيكم عن موسوعية دائرة
معارفي الشخصية، وقد مر في حياتي أصدقاء بعضهم إنتقل إلى عالم الضوء كالمرحوم د.
حبيب صادق تومي وطيب الذكر الأب يعقوب يسو، وبعضهم الآخر أخذته ظروف حياته فأختفى
من مشهدي، فيما يتواصل بعضهم الآخر معي على خجل، لاسيما في المناسبات التقليدية
متيقنين من أنني لم ولن أخذلهم إذا ما تواصلوا معي في ساعة محنة (عسى أن لا يروا
ساعة محنة أبداً).
فاتني أن أشير إلى أن صداقتي رغم إنتمائي المشرقي وعراقيتي حد النخاع، فأنني
لا أفرق في صداقتي بين (أمرأة ورجل)، فصديقاتي الحميمات وإن كنّ لا يُعدنّ إلا على
أصابع اليد الواحدة، فقد كنّ وما زلن صديقات عزيزات وقريبات من فكري وقلبي قبل
وبعد زواجهن تربطنا علاقة أخوية صداقية حميمة، ولعل المهندسة أفراح آل عقيل والأستاذة
الأكاديمية والقاصة المبدعة د. إرادة الجبوري يقفن في صدارة الصديقات المخلصات.
أما عن الأصدقاء فيقف في مقدمتهم الكاتب المبدع د. صفاء صنكور والمهندس سعد محمد
شفيع والرسام المعماري علاء محسن عودة والفنان الصائغ أمين الخميسي والفنان
الطباعي برهان صالح كركوكلي و(اﻠﭘﻧﭘون) أستاذ مادة النحت والفنان الخرافي الجميل
محمد حسين عبد ألله (الذي له منزلة خاصة وسامية في قلبي).
أما في الولايات المتحدة فأنني ومنذ ما يزيد على العشرين عاماً من العمل
والرفقة الطيبة والمعارف المتنوعين فأنني أقدر علاقتي بأخي الكبير المصور السينمائي
يوسف يوحانا والمهندس جميل زورا والمهندس الجوي صلاح شاكر يلدا والأب الفاضل نوئيل
ﮔوركيس والأستاذ المؤرخ نزار ملاخا والمخرج الفنان د. ريكاردوس يوسف والفنان الممثل
حميد دلي والمهندس والناشط الكلداني توم الكاتب واللغوي المتمكن سال مشكور، لكنني
في الحق لم أرتبط بصداقة حقيقية وراقية بمستوى صداقتي مع أخي وصديقي الحميم
المهندس والمخرج التلفزيوني والإذاعي والرسام والموسيقي المبدع جان رومي.
اليوم هو الحادي عشر من شهر آب (اللهاب)، وهو يوم عيد ميلاد أخي وصديقي
الحميم جان رومي، ومثلما تعودت في السنوات الثلاث الماضية على أن تفاجئني (إنسانة
عزيزة) أخذتها ظروف حياتها من عالمي، فكانت تعمل بصمت ليل نهار ولأسبوع أو أكثر من
أجل أن تفاجئتي بحفلة عيد ميلاد متميزة، فأنني قد تعلمت من تلك الأنسانة النبيلة والصديقة
الرائعة، المتواضعة والجميلة، وقررت أن أفاجيء أخي وصديقي الحبيب جان فأكتب
بمناسبة عيد ميلاده الميمون تهنئة تختلف عن بقية التهاني التقليدية.
جان رومي "هو الوفاء بعينه والصديق الذي يمكنني أن أعتمد عليه في كل
حين. أن أي أنسان يمر في حياة جان أو يمر جان في حياته هو أنسان محظوظ، لأن جان هو
عملة نادرة ورجل في زمن لم تعد فيه ملامح الرجال بذلك الوضوح الذي كانت عليه ملامح
آباءنا وأجدادنا. جان هو مثل زجاجة عطر لا تنضب، ينثال عطرها على الجميع، حتى وإن
لم نحظَ بقطرات من ذلك العطر الأخاذ على وجوهنا وأجسادنا فأننا سنستمتع دونما شك برائحة
ذلك العطر الساحر ولو عن بعد!".
أخي جان، مثلما شربتُ لوحدي في زاوية من مرسمي (زجاجة العرق الزحلاوي) قبل
سنوات إحتفاءً وإستذكاراً بالراحلين الكبيرين علاء وزياد (فأبتسمت لوحدي وحزنت
لوحدي وضحكت لوحدي وبكيت لوحدي)، فأنني أعدك بأن نشرب زجاجة النبيذ المعتق
(الكابرينيه سوفنيون) في أقرب فرصة ممكنة محتفين بفرح، بأخوتنا الدائمة ومستذكرين
بمحبة أصدقاءنا وصديقاتنا، من رحل منهم ومن لا يزال يضيء مشوار حياتنا بنور محبته
الحقيقية، وكما تقول صديقة رائعة وضعها القدر في طريقي منذ بضعة أشهر: "بأننا
نستطيع تحت أشد السماوات حلكة ورمادية أن نحلم بغابات خضراء!".
لجان أخي وصديقي أتمنى عيد ميلاد سعيد، آملاً ومن كل قلبي أن يعيده الحي
العظيم أو يسوع أو مردوخ أو مهما كان أسمه بالخير والفرح والنعمة.
أخي جان لا تتنازل عن الحلم، لأن أحلامنا هيّ أولى الخطوات الصحيحة في
مشاوير عمرنا، فما نحن من دون أحلام إلا صحارى مجدبة. لتكن أحلامنا مثل غابات
الورد كلها (شذى) ومثل إيقاعات سومرية كلها (دندنة)!
تذكر أيضاً: بأننا نخطيء عندما نحب ونتوقع أن نبتهج حسب، لكننا نخطيء جداً
جداً جداً عندما لانحب!
أخي جان، أهديك وبكل محبة وأخوة
بمناسبة عيد ميلادك الميمون قصيدتي (تنتصر الحياة) عسى أن تكون صداقتنا أزلية مثل
نخيل العراق:
تنتصر
الحياة
• Life Wins •
* عامر فتوحي *
نخلةٌ باسقة
أخذوها مرةً
إلى مبغى الألوانِ
وبيت عهر الكلماتِ
فلم تنحنِ
ولما ملوا يباسَ اللونِ وسكوتَ الحبرِ
جروها من قصائبها
إلى قبوِ التعذيبِ
من الليل إلى الفجرِ
ومن الليل إلى الفجرِ
فلم تلتوِ
ولما سئموا طولَ الصبرِ
أخذوها إلى ساحةِ الحربِ
ومن مقرِ حزبٍ
إلى معتقلٍ
إلى وكرِ
فلم تندحرْ أو تنكسرْ
قالوا فلنُطلي أظافرها
ونلفُ ظفائرها
ونكسوها بالحريرِ والديباجِ والياقوتِ والدررِ
وقالوا وقالوا ولما يأسوا
لعنوا الرافدينْ
وجنائن بابلْ
وأهل بغداد الحلوين كالقمرِ
ثم بذعرٍ سدوا عليها باب القبرِ
ولما عدتُ بعد سنينٍ
من الحرمانِ
والتيهانِ
والقهرِ
وجدتُ على لحدها الإسمنتي
سجادةٌ من تمرٍ ونخلةٌ باسقة!
• Life Wins •
* عامر فتوحي *
نخلةٌ باسقة
أخذوها مرةً
إلى مبغى الألوانِ
وبيت عهر الكلماتِ
فلم تنحنِ
ولما ملوا يباسَ اللونِ وسكوتَ الحبرِ
جروها من قصائبها
إلى قبوِ التعذيبِ
من الليل إلى الفجرِ
ومن الليل إلى الفجرِ
فلم تلتوِ
ولما سئموا طولَ الصبرِ
أخذوها إلى ساحةِ الحربِ
ومن مقرِ حزبٍ
إلى معتقلٍ
إلى وكرِ
فلم تندحرْ أو تنكسرْ
قالوا فلنُطلي أظافرها
ونلفُ ظفائرها
ونكسوها بالحريرِ والديباجِ والياقوتِ والدررِ
وقالوا وقالوا ولما يأسوا
لعنوا الرافدينْ
وجنائن بابلْ
وأهل بغداد الحلوين كالقمرِ
ثم بذعرٍ سدوا عليها باب القبرِ
ولما عدتُ بعد سنينٍ
من الحرمانِ
والتيهانِ
والقهرِ
وجدتُ على لحدها الإسمنتي
سجادةٌ من تمرٍ ونخلةٌ باسقة!
بإخلاص / عامر حنا فتوحي
No comments:
Post a Comment